/ الفَائِدَةُ : (21) /

19/10/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / إِمامة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مهيمنة على المخلوقات هيمنة اللَّطيف على الأَغلظ / إِنّ الثابت في بيانات الوحي : أَنَّ حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وإِمامتهم : (داخلة في جملة العوالم وكافَّة المخلوقات غير المتناهية دخول اللَّطيف في الأَغلظ ؛ لا بالممازجة والمزاولة ، وخارجة منها خروج اللَّطيف عن الأًغلظ ؛ لا بالمباينة والمزايلة). فلاحظ : الدليلٌ العقليٌّ التالي المُركَّب من مُقدّمتين (1) : الأُولىٰ : أَنَّه ورد في بيانات الوحي المستفيضة ، بل المتواترة قاعدة معرفيَّة وعقليَّة خطيرة ، وهي : (أَنَّ فعل اللّٰـه الأَلطف داخل في الأَشياء والمخلوقات لكن لا بالممازجة والمزاولة ، وخارج عنها لكن لا بالمفارقة والمزايلة). فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان أَمير المؤمنين صلوات اللّٰـه عليه : « ... هو في الأَشياء على غير ممازجة ، خارج منها على غير مباينة ... داخل في الأَشياء لا كشيءٍ في شيءٍ داخل ، وخارج منها لا كشيءٍ من شيءٍ خارج ...»(2). وهذه القاعدة وإِن أَصَرَّ أَهل المعرفة على حصر جريانها في الأَفعال الإِلٰهيَّة ، لكنَّها تجري أَيضاً في جملة الأَسماء والصِّفات الإِلٰهيَّة ؛ فعليَّة كانت أَم ذاتيَّة. المُقَدِّمة الثَّانية : أَنَّ طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة وتتبعها طبقاتها المتوسطة والنَّازلة هي الاسماء والصفات الالهية ورأس هرم فعل اللّٰـه الأَقدس والمُقدَّس والأَلطف. والنتيجة : أَنَّ طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة وتتبعها طبقاتها المتوسطة والنَّازلة داخلة بالأَوْلىٰ ونافذة في طُرِّ الأَشياء وجملة المخلوقات وعوالمها وشؤونها دخول ونفاذ اللطيف في الأًغلظ ، ومسيطرة ومهيمنة عليها سيطرة وهيمنة اللَّطيف على الأَغلظ ، وداخلة في جميع شراشر المخلوقات وجزئيَّاتها وذرَّاتها وكافَّة عوالمها ومحيطة بها وبدقائق أَحوالها وأُمورها وشؤونها. بل قُرِّرَ في اكتشافات العلوم الحديثة : (أَنَّ الجسم الأَلطف ينفذ ويسيطر ويتصرِّف في الجسم الأَغلظ). وهذا على خلاف ما يتوهَّمه عامَّة البشر ؛ فيظنُّون العكس. بل قُرِّرَ في البحوث المعرفيَّة والعقليَّة : (أَنَّ نِسْبَة الأَجسام المتباعدة بالإِضافة إِلى الجسم الأَلطف منها : نِسْبَة واحدة ، كنقطة واحدة ، فضلاً عن نسبتها إِلى الجوهر المُجرَّد ؛ لأَنَّ نسبتها إِليه نِسْبَة تقوُّم). وهذه معادلة فوق العلوم الرِّياضيَّة ؛ الباحثة عن نِسْبَة الأَجسام ذات الوجود في رتبةِ عرضٍ واحدٍ . إِذّنْ : جملة العوالم وكافَّة المخلوقات بالنِّسبة إِلى طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ سواء وكنقطةٍ واحِدةٍ . نظيره : نقاط محيط الدائرة ؛ فإِنَّها إِذا قيست إِلى مركزها كانت جميع هذه النقاط كنقطةٍ واحدةٍ في القرب والبُعد ، وعلى حدٍّ سوآء إِلى مركز الدائرة. هكذا حال طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة وتتبعها طبقاتها المتوسطة والنازلة ، فإِنَّ جملة المخلوقات وكافَّة العوالم ـ من الذَّرَّة إِلى ما فوق العرش ـ إِذا قيست إِلى هذه الطبقات كانت كشيءٍ واحدٍ ، ومهيمنة على العرش وما فوقه ، وداخلة فيه وفي جميع شراشره وجزئيَّاته ودقائقه وتفاصيله ؛ كهيمنتها على الذَّرَّة وإِحاطتها بها وبجملة شراشرها وجزئيَّاتها ودقائقها من دون أَي تفاوت واختلاف وعلى حدٍّ سوآء . بعد الإِلتفات إِلى قاعدة عقليَّة ومعرفيَّة شريفة تذكر في أَبواب المعارف ، وهي : أَنَّه (كُلَّما ازدادت اللَّطافة انعدمت النِّسْب والحجب والفواصل والأَبعاد ؛ مكانيَّة كانت أَم زمانيَّة أَم جرميَّة ، واشتدَّت القدرة والعلم والوجود والحضور). وهذه قاعدة من خفايا المباحث العقليَّة والمعرفيَّة. والنتيجة : أَنَّ طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وإِمامتهم ـ بعدما كانت أَلطف مخلوقات الباري (تقدَّس ذكره) على الإِطلاق كانت ـ داخلة في ظواهر وبواطن وأَسرار وشراشر جميع الأَشياء ، وسائر المخلوقات ، وكافَّة عوالمها وشؤونها وأَحوالها وجزئيَّاتها وذرَّاتها دخول اللطيف في الأَغلظ ؛ من دون مزاولة وممازجة ، ومحيطة بها ومهيمنة عليها إِحاطة وهيمنة اللطيف على الأَغلظ ، وخارجة منها خروج اللطيف من الأَغلظ من دون مزايلة ومباينة. ومنه يتَّضح : الجمّ الغفير من بيانات الوحي المعرفيَّة الباهرة ، منها : 1ـ بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، الوارد في حقِّ أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : « ... الإِمام ... يرىٰ ما بين المشرق والمغرب ، فلا يخفىٰ عليه شيء من عَالَم الملك والملكوت ... والسَّماوات والأَرض عند الإِمام كيده من راحته ، يعرف ظاهرها من باطنها ، ويعلم بِرّها من فاجرها ، ورطبها ويابسها ... ومن أَنكر ذلك فهو شقيٌّ ملعون يلعنه اللّٰـه ويلعنه اللاعنون... »(3). 2ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ... ومِنَّا الرقيب على خلق اللّٰـه ... وحُجَّته بين العباد ، إِذ يقول اللّٰـه : [اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا](4) ...»(5). 3ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : «أَنا أُورِثُ من النَّبيِّين إِلى الوصيّين ، ومن الوصيّين إِلى النَّبيّين ، وما بعث اللّٰـه نبيّاً إِلَّا وأَنا أَقضي دينه وانجز عداته ...»(6). 4ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً ، عن الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : «أَنَّ جويرية بن عمر العبدي خاصمه رَجُلٌ في فرس أُنثىٰ فادَّعيا جميعاً الفرس ، فقال أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : لواحد منكما البيِّنة ؟ فقالا : لا. فقال لجويرية : أعطه الفرس . فقال له : يا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ، بلا بيِّنَة ؟ فقال له : واللّٰـه لأَنا أَعلم بِكَ منكَ بنفسكَ ، أتنسىٰ صنيعك بالجاهليَّة الجهلاء ؟ فأخبره بذلك »(7). 5ـ بيان الإِمام الرضا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... ونحن شهداء اللّٰـه وأَعلامه في بريَّته ، بنا يمسك اللّٰـه السَّماوات والأَرض أَنْ تزولا ...لا تخلو الأَرض من قائم مِنّا ظاهر أَو خاف ، ولو خلت يوماً بغير حُجَّة لماجت بأَهلها كما يموج البحر بأهله»(8). 6ـ بيان زيارتهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهم : « ... بأبي أَنتم وأُمِّي ونفسي وأَهلي ومالي ذكركم في الذاكرين ، وأَسماؤكم في الأَسماء ، وأَجسادكم في الأَجساد ، وأَرواحكم في الأَرواح ، وأَنفسكم في النفوس ، فما أَحلىٰ أَسماءكم، وأَكرم نفوسكم ، وأَعظم شأنكم ، وأَجلَّ خطركم ، وأَعلىٰ أَقداركم ...»(9). 7ـ ما ورد عن صفوان بن يحيىٰ ، عن جعفر بن مُحمَّد بن الأَشعث ، قال : «أَتدري ما كان سبب دخولنا في هذا الأَمر ومعرفتنا به ، وما كان عندنا فيه ذكر ولا معرفة بشيءٍ مِمَّا عند النَّاس ؟ قال : قلتُ له : ما ذاك ؟ قال : إِنَّ أَبا جعفر – يعني : أبا الدوانيق - قال لأَبي مُحمَّد بن الأَشعث : يا مُحمَّد ، ابغ لي رجلاً له عقل يُؤدِّي عنِّي. فقال له : إِنِّي قد أَصبته لكَ ، هذا فلان ابن مهاجر خالي . قال : فائتني به . قال : فأتاه بخاله. فقال له أبو جعفر : يابن مهاجر ، خُذ هذا المال - فأعطاه أُلوف دنانير أَو ما شاء اللّٰـه من ذلك - وائتِ المدينة والقِ عبداللّٰـه بن الحسن وعدَّة من أَهل بيته فيهم جعفر بن مُحمَّد ، فقل لهم : إِنِّي رجل غريب من أَهل خراسان ، وبها شيعة من شيعتكم ؛ وجَّهوا إِليكم بهذا المال ، فادفع إِلى كلِّ واحدٍ منهم على هذا الشرط كذا وكذا ، فإذا قبضوا المال فقل : إِنِّي رسول وأُحبّ أَنْ يكون معي خطوطكم بقبضكم ما قبضتم مِنِّي. قال : فأخذ المال وأتىٰ المدينة ثُمَّ رجع إِلى أَبي جعفر ـ وكان مُحمَّد بن الأَشعث عنده ـ فقال أَبو جعفر : ما وراكَ ؟ قال : أَتيتُ القوم وفعلتُ ما أَمرتني به ، وهذه خطوطهم بقبضهم المال ، خلا جعفر بن محمَّد ... فأَخبرني بجميع ما جرىٰ بيني وبينكَ حتَّىٰ كأَنَّه كان ثالثنا ... »(10). وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) لَا بَأْسَ بالْاِلْتِفَات إِلى أَنَّ أَحكام العقل على نمطين : أَحدهما : أَحكام عقليَّة مُستقِلَّة ، ويُعبَّر عنها بـ : (المُستقِلَّات العقليَّة). الأُخرىٰ : أَحكام عقليَّة غير مُستقِلَّة ، ويُعبَّر عنها بـ : (غير المُستقِلَّات العقليَّة). والفارق بينها : أَنَّه في النَّمط الأَوَّل ـ أَي : المُستقِلَّات العقليَّة ـ العقل يحكم من دون أَنْ يأخذ مُقدّمة من الشرع ويعتمد عليها ، بل كافَّة المُقدّمات الّتي أُخذت في الدَّليل عقليَّة. وهذا بخلافه في النمط الثَّاني ـ أَي : غير المُستقِلَّات العقليَّة ـ فإِنَّ بعضها غير عقليّة. كما هو الحال في المقام ؛ فإِنَّ هاتين المُقدّمتين أعتمد بعضها على بيانات الوحي المعرفيَّة. (2) بحار الأَنوار ، 3 : 271. توحيد الصدوق : 299/ح1. (3) بحار الأَنوار ، 25 : 169 ـ 174/ح38. (4) النساء : 1. (5) بحار الأَنوار ، 39 : 350 ـ 351/ح24. تفسير فرات : 61 ـ 62. (6) المصدر نفسه /ح23. تفسير فرات : 13. (7) بحار الأَنوار ، 41 : 288/ح11. بصائر الدرجات ، 1 : 483/ح895 ـ 11. (8) بحار الأَنوار ، 23 : 35 /ح59. كمال الدين : 177. (9) بحار الأَنوار ، 99 : 154. كتاب من لا يحضره الفقيه ، 2 : 374. (10) بحار الأَنوار ، 47 : 75 ـ 76/ح39. بصائر الدرجات ، 1 : 479 ـ 481/ح891 ـ 7. الكافي، 1: 475/ح6. دلائل الإِمامة للطبري : 266 ـ 267/ح196